فصل: كتاب البيع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. باب الإحصار والفوات للحج:

(مَنْ أُحْصِرَ) عَنْ إتْمَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ عَدُوٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْكُفَّارِ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ. (تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَسَيَأْتِي مَا يَحْصُلُ بِهِ قَالَ تَعَالَى{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهُدَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ» وَسَوَاءٌ أُحْصِرَ الْكُلُّ أَمْ الْبَعْضُ (وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرُّفْقَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْإِحْصَارِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَتْ الطَّرِيقَ أَوْ مَرِضَتْ وَدُفِعَ بِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ الَّتِي جَازَ التَّحَلُّلُ لَهَا لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَقْتُ لِلْحَجِّ وَاسِعًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ التَّحَلُّلَ فَرُبَّمَا زَالَ الْمَنْعُ فَأَتَمَّ الْحَجَّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ التَّحَلُّلِ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ وَلَوْ مَنَعُوا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْمُضِيِّ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمْ أَنْ يَتَحَلَّلُوا وَلَا يَبْذُلُوا الْمَالَ وَإِنْ قَلَّ إذْ لَا يَجِبُ احْتِمَالُ الظُّلْمِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ وَلَوْ مُنِعُوا مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا جَازَ لَهُمْ التَّحَلُّلُ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (فَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ (تَحَلَّلَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُ بِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ«دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا أَرَدْت الْحَجَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً فَقَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» وَمَا قِيلَ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِضُبَاعَةَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَتُقَاسُ الْعُمْرَةُ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَالَ إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ صَارَ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَلُّلِ
(وَمَنْ تَحَلَّلَ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ أَيْ الْخُرُوجَ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ (ذَبَحَ) لُزُومًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَفَرَّقَ لَحْمَهَا عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُقَاسُ بِهِمْ فُقَرَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى الْحَرَمِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَيَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبْعُ إحْدَاهُمَا وَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ وَقِيلَ مُسْقَطٌ فِي ذَلِكَ وَقُوَّةُ الْكَلَامِ تُعْطِي حُصُولَ التَّحَلُّلِ بِالذَّبْحِ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِ التَّحَلُّلِ (وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْوِي عِنْدَهُ التَّحَلُّلَ أَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَحَلُّلِ الْعَبْدِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَى زِيَادَتِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ وَأَسْقَطْنَا الدَّمَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا) كَمَا فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ) أَيْ بَدَلَهُ (طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهُ (صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلَهُ) إذَا انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ (التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِالْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ عِنْدَهُ وَمُقَابِلُهُ يَتَوَقَّفُ التَّحَلُّلُ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّعَامِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَطُولُ زَمَانُهُ فَتَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْإِحْرَامِ إلَى فَرَاغِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَدَلُ الدَّمِ الطَّعَامُ فَقَطْ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كَالْحَلْقِ وَجْهَانِ وَالثَّالِثُ بَدَلُهُ الصَّوْمُ فَقَطْ وَهُوَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ كَصَوْمِ التَّمَتُّعِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَصَوْمِ الْحَلْقِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ التَّعْدِيلُ بِالْإِمْدَادِ كَمَا تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ وَوَجْهُ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْبَدَلِ اشْتِمَالُهُ عَلَى الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ.
وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى الْإِحْرَامِ يُعَطِّلُ مَنَافِعَهُ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إتْمَامِ النُّسُكِ فَإِحْرَامُهُ مُنْعَقِدٌ وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِ السَّيِّدِ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَاةً وَقُلْنَا بِالْمَرْجُوحِ أَنَّهُ يَمْلِكُ؛ ذَبَحَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَحَلَقَ وَنَوَى التَّحَلُّلَ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْعَبْدُ فَأَحْرَمَ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ فِي الْأَصَحِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ كَالْقِنِّ (وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ (مِنْ حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَكَذَا مِنْ) الْحَجِّ (الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ بِلَا إذْنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ تَقْرِيرَهَا عَلَيْهِ يُعَطِّلُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَيْنِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ، وَحُكِيَ الثَّانِي فِي التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضًا بِالشُّرُوعِ وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالتَّطَوُّعِ جَزْمًا وَبِالْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ وَخِلَافُ التَّحْلِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّحْلِيلِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا لَهُ الْمَنْعُ دُونَ التَّحْلِيلِ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهَا وَيُقَاسُ بِالْحَجِّ الْعُمْرَةُ وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِهِ، إيَّاهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ وَتَحَلُّلُهَا كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ وَلَوْ لَمْ تَتَحَلَّلْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ. ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيهِ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ مُحْرِمَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُرْتَدَّةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُمْنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَضَمُّ الْأَمَةِ إلَى الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ.
(وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ) إذَا تَحَلَّلَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (فَإِنْ كَانَ) نُسُكُهُ (فَرْضًا مُسْتَقِرًّا) عَلَيْهِ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ وَكَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ (بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ وَلَمْ يُتِمَّهَا تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ) كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ (اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ كَمَا تَقَدَّمَ (تَحَلَّلَ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا حَرَجًا شَدِيدًا يَعْسُرُ احْتِمَالُهُ. (بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ وَفِيهِمَا) أَيْ السَّعْيِ وَالْحَلْقِ. (قَوْلٌ) إنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ فِي التَّحَلُّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَنَظَرًا إلَى أَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ لِإِجْزَائِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ سَعْيٌ، فَمَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَحْتَاجُ فِي تَحَلُّلِهِ إلَى سَعْيٍ. (وَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْقَضَاءُ) لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ تَطَوُّعًا كَانَ أَوْ فَرْضًا. وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَّ، وَكُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اذْهَبْ إلَى مَكَّةَ فَطُفْ بِالْبَيْتِ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا، ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

. كتاب البيع:

هُوَ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا، فَيَقُولُ اشْتَرَيْته بِهِ فَيَتَحَقَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ تَأْتِي وَالصِّيغَةُ الَّتِي بِهَا يَعْقِدُ، وَبَدَأَ بِهَا كَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالْغَزَالِيِّ عَنْ الثَّلَاثَةِ بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ فَقَالَ: شرط البيع (شَرْطُهُ الْإِيجَابُ كَبِعْتُكَ وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ كَاشْتَرَيْتُ وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِهِمَا لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ:«إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَالرِّضَا خَفِيٌّ، فَاعْتُبِرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ فَلَا بَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ، وَيَرُدُّ كُلَّ مَا أَخَذَهُ بِهَا أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهَا فِي الْمُحَقَّرِ كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ. وَقِيلَ: فِي كُلِّ مَا يُعَدُّ فِيهِ بَيْعًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالدَّوَابِّ وَالْعَقَارِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ تَقَدُّمَ قَبِلْت، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ. (وَلَوْ قَالَ بِعْنِي، فَقَالَ بِعْتُك انْعَقَدَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى الرِّضَا، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ لِاحْتِمَالِ بِعْنِي لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ، وَبِهَذِهِ الصِّيغَةِ تَقْدِيرًا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِكَذَا فَفَعَلَ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَنْ الطَّالِبِ، وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي، وَقَدْ أَجَابَهُ وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ: اشْتَرَيْت فَكَمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُك، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ ثُمَّ مَا ذَكَرَ صَرِيحٌ. (وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ) وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ بِأَنْ يَنْوِيَهُ. (كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا) أَوْ خُذْهُ بِكَذَا نَاوِيًا الْبَيْعَ (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ رَاجِعٌ إلَى الِانْعِقَادِ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْرِي أَخُوطِبَ بِبَيْعٍ أَمْ بِغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْبَيْعِ فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى إرَادَتِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا جَزْمًا لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ.
(وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا) وَلَا يَتَخَلَّلُهُمَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ، فَإِنْ طَالَ أَوْ تَخَلَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الطَّوِيلُ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَوْ تَخَلَّلْت كَلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ بَطَلَ الْعَقْدُ ا ه. (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَى وَقْفِ الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحُّ) وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِعْتُك نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ: وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ، وَنَظَّرَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ عَدَّدَ الصَّفْقَةَ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ، قَالَ فِيهِ: وَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِيمَا إذَا قَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ خِلَافُ قَوْلِ الْقَفَّالِ بِصِحَّتِهِ إهـ. وَنَبَّهَ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ إلَّا أَلْفٌ (وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ (كَالنُّطْقِ) بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ بِهَا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الِاعْتِدَادُ بِإِشَارَتِهِ فِي الْحِلِّ أَيْضًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَنَّهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ.
(وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) الْبَائِعُ أَوْ غَيْرِهِ (الرُّشْدُ) وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مُصْلِحًا لِدِينِهِ، وَمَالِهِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ. نَعَمْ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا ثُمَّ بَذَّرَ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ عَقْدُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ بَعْدَهُ. (قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَيَصِحُّ بِحَقٍّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمَزِيدُ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ بِأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ شِرَاءِ مَالٍ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ فَأَكْرَهَهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ا ه. وَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ صَحَّ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ كَالصَّحِيحِ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأُذُنِ.
(وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ) وَكُتُبَ الْحَدِيثِ (وَالْمُسْلِمَ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا فِي مِلْكِهِ لِلْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَلِلثَّالِثِ مِنْ الْإِذْلَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْحِيحُ طَرِيقَةِ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ وَدَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ. (إلَّا أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ. (فَيَصِحُّ) بِالرَّفْعِ شِرَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ إذْلَالِهِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِذْلَالِ. (وَلَا) شِرَاءُ (الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِي الْمَنَاهِي لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا وَبِخِلَافِ غَيْرِ السِّلَاحِ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ سِلَاحًا، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى أَيْ بِخِلَافِ بَيْعِهِ أَوْ شِرَائِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُصْحَفَ وَشِرَاءَهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْبَيْعُ دُونَ الشِّرَاءِ.
(وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ نَجِسِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ»، وَقَالَ:«إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيِّتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَذْكُورَاتِ نَجَاسَةُ عَيْنِهَا فَأَحَقُّ بِهَا بَاقِي نَجِسِ الْعَيْنِ. (وَالْمُتَنَجِّسُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ. (كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَكَذَا الدُّهْنُ) كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُمْكِنُ بِغَسْلِهِ بِأَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ فِي إنَاءٍ مَاءً يَغْلِبُهُ وَيُحَرِّكُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ مَعَ رَدِّهِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ:«إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ«فَأَرِيقُوهُ» فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ شَرْعًا لَمْ يُقَلْ فِيهِ ذَلِكَ وَعَلَى إمْكَانِ تَطْهِيرِهِ قِيلَ يَصِحُّ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِلْحَدِيثِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ النَّجِسِ لِأَنَّ تَطْهِيرَهُ مُمْكِنٌ بِالْمُكَاثَرَةِ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى الْحَرَمِ بِالْمَنْعِ، وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِتَطْهِيرٍ بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ كَالْخَمْرِ تَتَخَلَّلُ. (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (النَّفْعُ) فَمَا لَا نَفْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُقَابَلُ بِهِ. (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ) بِفَتْحِ الشِّينِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْفِئْرَانِ وَالْخَنَافِسِ وَالنَّمْلِ وَنَحْوِهَا إذْ لَا نَفْعَ فِيهَا يُقَابَلُ بِالْمَالِ وَإِنْ ذُكِرَ لَهَا مَنَافِعُ فِي الْخَوَاصِّ (وَكُلِّ سَبْعٍ لَا يَنْفَعُ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ، وَمَا فِي اقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لَهَا مِنْ الْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ لَيْسَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَالسَّبْعُ النَّافِعُ كَالضَّبْعِ لِلْأَكْلِ وَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ (وَلَا) بَيْعُ (حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا وَإِنْ عُدَّ بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ. (وَآلَةِ اللَّهْوِ) كَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ إذْ لَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا (وَقِيلَ: تَصِحُّ الْآلَةُ) أَيْ بَيْعُهَا. (إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ مُكَسَّرُهَا (مَالًا) لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَوَقَّعًا كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ وَرُدَّ بِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا لَا يُقْصَدُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ) أَيْ جَانِبِ النَّهْرِ (وَالتُّرَابِ وَالصَّحْرَاءِ) مِمَّنْ حَازَهُمَا. (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الثَّانِي مِنْ إمْكَانِ تَحْصِيلِ مِثْلِهِمَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ. (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ) بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ. (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهَا فِي الْحَالِّ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ) دُونَهُ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) نَظَرًا إلَى وُصُولِ الْمُشْتَرِي إلَى الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى عَجْزِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ بَيْعُهُ قَطْعًا، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْغَاصِبِ صَحَّ قَطْعًا، وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْمَغْصُوبِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الضَّالِّ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ إنْسَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ) مَثَلًا (مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا) كَثَوْبٍ نَفِيسٍ تَنْقُصُ بِقَطْعِهِ قِيمَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ شَرْعًا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْكَسْرِ أَوْ الْقَطْعِ، وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ. (وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ) كَغَلِيظِ الْكِرْيَاسِ. (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي قَالَ قَطْعُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَغْيِيرٍ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ يَصِحُّ فِي النَّفِيسِ لِرِضَا الْبَائِعِ بِالضَّرَرِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي السَّيْفِ وَالْإِنَاءِ. وَمِمَّا يَصْدُقُ بِهِ النِّصْفُ أَوْ مَحَوْهُ مِنْ الثَّوْبِ أَنْ يَكُونَ ذِرَاعًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَاطِئَ صَاحِبَهُ عَلَى شِرَائِهِ، ثُمَّ يَقْطَعَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا بَيْعُ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مِنْ الْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ، وَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَبَيْعُ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَرْضِ يَصِحُّ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ فِيهَا بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ بِالْعَلَامَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ قَدْ تَتَضَيَّقُ مَرَافِقُ الْبُقْعَةِ بِالْعَلَامَةِ وَتَنْقُصُ الْقِيمَةُ، فَلْيَكُنْ الْحُكْمُ فِي الْأَرْضِ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الثَّوْبِ، وَسَيَأْتِي بَيْعُ ذِرَاعٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ.
(وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا (وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا فِي الْمَرْهُونِ وَالثَّانِي يَصِحُّ فِي الْمُوسِرِ، قِيلَ: وَالْمُعْسِرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّيِّدُ الْمُوسِرُ بِبَيْعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَقِيلَ: لَا بَلْ هُوَ عَلَى خِيرَتِهِ إنْ فَدَى أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ، وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ صَحَّ جَزْمًا، وَالْفِدَاءُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَصُوَرُ تَعَلُّقِ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ أَنْ يَكُونَ جَنَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ أَتْلَفَ مَالًا. (وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ) بِأَنْ اشْتَرَى فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَرُدُّ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِهَا. (وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ) بِرَقَبَتِهِ لَا يَضُرُّ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ تَرَجَّى سَلَامَتَهُ بِالْعَفْوِ، وَالثَّانِي يَضُرُّ لِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقِصَاصِ قَدْ يَعْفُو عَلَى مَالٍ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَتَعَلُّقُهُ بِهَا ضَارٌّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ بِعُضْوِهِ جَزْمًا كَمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ، فَيَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ كَمَا سَيَأْتِي فِيهِ. (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْمِلْكُ) فِيهِ (لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ) الْوَاقِعُ وَهُوَ الْعَاقِدُ أَوْ مُوَكِّلُهُ أَوْ مُوَلِّيهِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ. (فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ. (وَفِي الْقَدِيمِ) هُوَ (مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ) أَوْ وَلِيُّهُ (نَفَذَ) بِالْمُعْجَمَةِ (وَإِلَّا فَلَا) يَنْفُذُ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ بِعَيْنِ مَالِهِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ بِنْتَه، أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، أَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حِيلَتَهُ وَكَانَ مَيْتًا) بِسُكُونِ الْيَاءِ. (صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَنْ زَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ. (الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ (الْعِلْمُ بِهِ) عَيْنًا وَقَدْرًا وَصِفَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ». (فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ) أَوْ الْبُعْدَيْنِ مَثَلًا (بَاطِلٌ) وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ (وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا) للمتعاقدين وَيَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ، فَإِذَا عَلِمَا أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ فَالْمَبِيعُ عُشْرُهَا، فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ الْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا، أَيَّ صَاعٍ كَانَ، فَيَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ. (وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ) صِيعَانُهَا للمتعاقدين يَصِحُّ الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصُ وَالْمَبِيعُ صَاعٌ مِنْهَا، أَيَّ صَاعٍ كَانَ وَلِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا لِأَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ فَرَّقَ صِيعَانَهَا، وَقَالَ بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا، وَلَوْ بَاعَهُ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَ ذَلِكَ كَعَشَرَةٍ صَحَّ وَكَأَنَّهُ بَاعَهُ الْعَشَرَ، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا الذُّرْعَانَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا لَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ مَا ذَكَرَ. (وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ) أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُهُ (أَوْ بِأَلْفِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِلْءَ مَنْصُوبًا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا. (وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ (وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ) مِنْ ذَلِكَ وَنَقْدٌ غَيْرُ غَالِبٍ مِنْهُ (تَعَيَّنَ) الْغَالِبُ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَرَادَاهُ. (أَوْ نَقْدَانِ) مِنْ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ) لِأَحَدِهِمَا فِي الْعَقْدِ لِيُعْلَمَ، وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي الْبَيَانِ إذَا تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَتْ صَحَّ الْبَيْعُ بِدُونِ التَّعْيِينِ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي مَا شَاءَ مِنْهُمَا.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ) للمتعاقدين. (كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ) بِنَصْبِ كُلَّ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ الدَّارَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ عَلِمَا عَدَدَ الصِّيعَانِ وَالذُّرْعَانِ وَالْأَغْنَامِ صَحَّ الْبَيْعُ جَزْمًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ مِنْهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَسْأَلَةَ الدَّارِ. (وَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي النَّاقِصَةِ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِمُقَابَلَةِ الصُّبْرَةِ بِهِ أَوْ بِالْقِسْطِ لِمُقَابَلَةِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَجْهَانِ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ: هِيَ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ تَبِعَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلَيْنِ. (وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا) أَيْ مُشَاهَدًا (كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ) مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِقَدْرِهِ، وَكَذَا الْمُعَوَّضُ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَلَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهَا صَحَّ الْبَيْعُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي النَّدَمِ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ شِرَاءَ مَجْهُولِ الذَّرْعِ لَا يُكْرَهُ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ) وَهُوَ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا.
(وَالثَّانِي يَصِحُّ) اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ بِذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ وَفَرَسِي الْعَرَبِيَّ، وَلَا يَفْتَقِرُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى ذِكْرِ صِفَاتٍ أُخَرَ نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ مِنْ نَوْعٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ يَقَعُ بِهَا التَّمْيِيزُ كَالتَّعَرُّضِ لِلسِّنِّ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلْمُشْتَرِي (عِنْدَ الرُّؤْيَةِ) وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ، وَفِيهِ حَدِيثُ«مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيَّ وَالْبَيْهَقِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَيَنْفُذُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْفَسْخُ دُونَ الْإِجَازَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى الْمَبِيعَ، وَحَيْثُ ثَبَتَ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْأَصَحُّ يَمْتَدُّ امْتِدَادَ مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِمَا لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ (تَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَالْأَرَاضِيِ وَالْأَوَانِي وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ (دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا) كَالْأَطْعِمَةِ الَّتِي يُسْرِعُ فَسَادُهَا نَظَرًا لِلْغَالِبِ فِيهِمَا وَفِيمَا يُحْتَمَلُ مِنْهَا التَّغَيُّرُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَالْحَيَوَانِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَرْئِيِّ فِيهَا بِحَالِهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ نَازَعَهُ الْبَائِعُ فِي تَغَيُّرِهِ فَقِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ أَنْ يَكُونَ حَالَ الْبَيْعِ مُتَذَكِّرٌ الْأَوْصَافَ، فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ، قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ.
(وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ) مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَغَيْرِهَا مِمَّا الْغَالِبُ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ أَجْزَاؤُهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى الْبَاطِنَ إلَّا إذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ بِخِلَافِ صُبْرَةِ الْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا بَيِّنًا، وَتُبَاعُ عَدَدًا، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُؤْيَةِ وَاحِدٍ وَاحِدٍ (وَ) مِثْلُ (أُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ) أَيْ الْمُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ كَالْحُبُوبِ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تَكْفِي عَنْ رُؤْيَةِ بَاقِي الْمَبِيعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ كَانَ صِوَانًا) بِكَسْرِ الصَّادِ (لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ) أَيْ تَكْفِي رُؤْيَةُ الْقِشْرِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ فِي إبْقَائِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ هُوَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ إلَى آخِرِهِ قَسِيمُ قَوْلِهِ: إنْ دَلَّ إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلُهُ كَالْمُحَرَّرِ خِلْقَةً مَزِيدٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ صِفَةٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ جِلْدِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ وَاحْتَرَزُوا بِوَصْفِ الْقِشْرَةِ بِالسُّفْلَى لِمَا ذُكِرَ وَهِيَ الَّتِي تُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ عَنْ الْعُلْيَا فَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهَا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَالْخُشْكَنَانُ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَعَ أَمْثِلَةِ الصِّوَانِ الْمَذْكُورَةِ وَالْفُقَّاعِ، قَالَ الْعَبَّادِيُّ: يَفْتَحُ رَأْسَ الْكُوزِ فَيَنْظُرُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَأَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ الْمُسَامَحَةَ بِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: الْأَصَحُّ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي الْكُوزِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ.
(وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ) غَيْرَ مَا ذَكَرَ (عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ) فَيُعْتَبَرُ فِي الدَّارِ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدَرَانِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ، وَفِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ الْأَشْجَارِ وَالْجُدَرَانِ وَمَسَايِلِ الْمَاءِ، وَفِي الْعَبْدِ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ، وَكَذَا بَاقِي الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَكْفِي فِيهَا رُؤْيَةُ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْخِدْمَةِ، وَفِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَظَهْرِهَا، وَفِي الثَّوْبِ الدِّيبَاجِ الْمُنَقَّشِ رُؤْيَةُ وَجْهَيْهِ، وَكَذَا السِّبَاطُ، وَفِي الْكِرْبَاسِ رُؤْيَةُ أَحَدِ وَجْهَيْهِ، وَقِيلَ رُؤْيَتُهُمَا، وَفِي الْكُتُبِ وَالْوَرَقِ الْبَيَاضِ وَالْمُصْحَفِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْأَوْرَاقِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي يُرَادُ بَيْعُهُ (بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي) عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَالثَّانِي يَكْفِي، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ كَالرُّؤْيَةِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تُفِيدُ مَا لَا يُفِيدُ الْعِبَارَةُ. (وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُسْلَمَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ فِي الذِّمَّةِ يُعَيِّنُ فِي الْمَجْلِسِ، وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ أَوْ يَقْبِضُ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ لَا الرُّؤْيَةَ. (وَقِيلَ: إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ) بَيْنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ خُلِقَ أَعْمَى (فَلَا) يَصِحُّ سَلَمُهُ لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْيَاءِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالسَّمَاعِ وَيَتَخَيَّلُ فَرْقًا بَيْنَهَا. أَمَّا غَيْرُ السَّلَمِ مِمَّا يَعْتَمِدُ الرُّؤْيَةَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ وَسَبِيلُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَيُؤَجِّرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا، وَلَوْ كَانَ رَأَى قَبْلَ الْعَمَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إيَّاهُ كَالْبَصِيرِ وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ.

. باب الربا:

بِالْقَصْرِ، وَأَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ، وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيَّاتِ، وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا) أَيْ الطَّعَامُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (جِنْسًا) وَاحِدًا كَحِنْطَةٍ وَحِنْطَةٍ (اُشْتُرِطَ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ«الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ مُقَابَضَةً، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْحُلُولُ، فَإِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِغَيْرِهِ كَنَقْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرُ الطَّعَامِ بِغَيْرِ الطَّعَامِ، وَلَيْسَا نَقْدَيْنِ كَحَيَوَانٍ بِحَيَوَانٍ لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالنَّقْدَانِ كَالطَّعَامَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ (اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا) وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَإِنْ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي ذَلِكَ كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ، وَعَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّأَدُّمُ وَالتَّفَكُّهُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ كَالزَّبِيبِ وَالتِّينِ، وَعَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُصْطَكَى وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قُصِدَ مَا لَا يُقْصَدُ تَنَاوُلُهُ مِمَّا يُؤْكَلُ كَالْجُلُودِ فَلَا رِبَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ، وَقَوْلُهُ لِلطُّعْمِ إلَى آخِرِهِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ مَطْعُومِ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ شَارَكَهُمْ فِيهِ الْبَهَائِمُ قَلِيلًا أَوْ عَلَى السَّوَاءِ، فَخَرَجَ مَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ وَالتِّينِ أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُ الْبَهَائِمِ لَهُ فَلَا رِبَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: تَفَكُّهًا يَشْمَلُ التَّأَدُّمَ وَالتَّحَلِّي، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا فِي الْأَيْمَانِ فَقَالَ: وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاءَ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ تَدَاوِيًا يَشْمَلُ التَّدَاوِي بِالْمَاءِ الْعَذْبِ، وَهُوَ رِبَوِيٌّ مَطْعُومٌ، قَالَ تَعَالَى{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسُ وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا أَجْنَاسٌ) كَأُصُولِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا، وَخَلٍّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ كَذَلِكَ، وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ بِدُهْنِ الْوَرْدِ كَذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُخْتَلِفَةِ عَنْ الْمُتَّحِدَةِ كَأَدِقَّةِ أَنْوَاعِ الْحِنْطَةِ فَهِيَ جِنْسٌ. (وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (كَذَلِكَ) أَيْ أَجْنَاسٌ (فِي الْأَظْهَرِ) كَأُصُولِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا، وَلَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا، وَالثَّانِي هِيَ جِنْسٌ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا ذُكِرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لُحُومُ الْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ، وَلُحُومُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جِنْسٌ، وَأَلْبَانُ الْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ جِنْسٌ، وَأَلْبَانُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جِنْسٌ. (وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَالْمَوْزُونِ وَزْنًا) فَالْمَكِيلُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَلَا يَضُرُّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْكَيْلِ التَّفَاوُتُ وَزْنًا، وَالْمَوْزُونُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَيْلًا، وَلَا يَضُرُّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْوَزْنِ التَّفَاوُتُ كَيْلًا (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا. (غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِإِحْدَاثِهِمْ. (وَمَا جُهِلَ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُوزَنُ فِي عَهْدِهِ مَرَّةً وَيُكَالُ أُخْرَى وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ وَقِيلَ الْكَيْلُ) لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَطْعُومَاتِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكِيلٌ. (وَقِيلَ الْوَزْنُ) لِأَنَّهُ أَحْصَرُ وَأَقَلُّ تَفَاوُتًا. (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ) بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لِتَعَادُلِ وَجْهَيْهِمَا. (وَقِيلَ إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ) أَصْلُهُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ، وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرَ جُرْمًا مِنْ التَّمْرِ، فَإِنْ كَانَ كَالْبَيْضِ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِالْوَزْنِ جَزْمًا، وَسَوَاءٌ الْمِكْيَالُ الْمُعْتَادُ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَكَايِيلُ الْمُحْدَثَةُ بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ الْكَيْلُ بِقَصْعَةٍ مَثَلًا فِي الْأَصَحِّ، وَالْوَزْنُ بِالْقَبَّانِ. (وَالنَّقْدُ) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ. (بِالنَّقْدِ كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ) فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ اُشْتُرِطَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلَا رِبَا فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَإِلَى أَجَلٍ. (وَلَوْ بَاعَ) طَعَامًا أَوْ نَقْدًا بِجِنْسِهِ (جِزَافًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ (تَخْمِينًا) أَيْ حِرْزًا لِلتَّسَاوِي (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءً) لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ حَالَ الْبَيْعِ، وَبَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ جِزَافًا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا، وَلَوْ بَاعَهُ هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِتِلْكَ مُكَايَلَةً أَيْ كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِتِلْكَ مُوَازَنَةً فَإِنْ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا وَخَرَجَتَا سَوَاءٌ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ فِي الْكَبِيرَةِ بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُ الصَّغِيرَةَ، وَلِمُشْتَرِي الْكَبِيرَةِ الْخِيَارُ.
(وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ) فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ. (وَقْتَ الْجَفَافِ) أَيْ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْكَمَالُ (وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ) بِالْجَفَافِ (أَوَّلًا) وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. (فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ (بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ) لِلْجَهْلِ الْآنَ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ ؟ فَقَالُوا نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَأُلْحِقَ بِالرُّطَبِ فِيمَا ذُكِرَ طَرِيُّ اللَّحْمِ فَلَا يُبَاعُ بِطَرِيِّهِ وَلَا بِقَدِيدِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَيُبَاعُ بِقَدِيدِهِ بِلَا عَظْمٍ وَلَا مِلْحٍ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ.
(وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ (وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (أَصْلًا) كَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (وَفِي قَوْلٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ كَاللَّبَنِ بِاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ، وَقِيلَ مَا يُمْكِنُ كَيْلُهُ كَالتُّفَّاحِ وَالتِّينِ يُبَاعُ كَيْلًا، وَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِتَفَاوُتِ الْعَدَدِ، وَمِمَّا لَا جَفَافَ فِيهِ الزَّيْتُونُ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَارْتَضَاهُ جَوَازَ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ. (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ) أَيْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ. (وَالْخُبْزِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضِهِ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِتَفَاوُتِ الدَّقِيقِ فِي النُّعُومَةِ وَالْخَبْزِ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ. (بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا) لِتَحَقُّقِهَا فِيهَا وَقْتَ الْجَفَافِ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينَيْنِ (حَبًّا أَوْ دُهْنًا وَفِي الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، وَكَذَا الْعَصِيرُ) أَيْ عَصِيرُ الْعِنَبِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَا ذُكِرَ حَالَاتُ كَمَالٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ السِّمْسِمِ أَوْ دُهْنِهِ بِبَعْضٍ وَبَيْعُ بَعْضِ الزَّبِيبِ أَوْ خَلِّ الْعِنَبِ بِبَعْضٍ وَبَيْعُ بَعْضِ عَصِيرِ الْعِنَبِ بِبَعْضٍ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهِ يُمْنَعُ كَمَا لَهُ وَمِثْلُهُ عَصِيرُ الرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ وَقَصَبُ السُّكَّرِ وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ خَلِّ الرُّطَبِ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ خَلِّ الزَّبِيبِ أَوْ التَّمْرِ لِأَنَّ فِيهِ مَاءً، فَيَمْتَنِعُ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ وَالْمِعْيَارُ فِي الدُّهْنِ وَالْخَلِّ وَالْعَصِيرِ الْكَيْلُ.
(وَ) تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ (فِي اللَّبَنِ لَبَنًا) بِحَالِهِ (أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا) أَيْ خَالِصًا مِنْ الْمَاءِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ اللَّبَنِ بِبَعْضٍ كَيْلًا سَوَاءٌ فِيهِ الْحَلِيبُ وَالْحَامِضُ وَالرَّائِبُ وَالْخَاثِرُ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلِيًّا بِالنَّارِ وَلَا مُبَالَاةَ بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ أَكْثَرَ وَزْنًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ السَّمْنِ بِبَعْضٍ وَزْنًا عَلَى النَّصِّ، وَقِيلَ كَيْلًا، وَقِيلَ وَزْنًا إنْ كَانَ جَامِدًا وَكَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَخِيضِ الصَّافِي بِبَعْضٍ. أَمَّا الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمِثْلِهِ، وَلَا بِخَالِصٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ (وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ) أَيْ بَاقِيهَا (كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ) وَالْمَصْلِ وَالزُّبْدِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مُخَالَطَةِ شَيْءٍ، فَالْجُبْنُ تُخَالِطُهُ الْإِنْفَحَةُ وَالْأَقِطُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ، وَالْمَصْلُ يُخَالِطُهُ الدَّقِيقُ، وَالزُّبْدُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَخِيضٍ، فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ الْمُعْتَبَرَةُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزُّبْدِ بِالسَّمْنِ، وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالسَّمْنِ وَالْمَخِيضِ. (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ حَبًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالسِّمْسِمِ وَاللَّحْمِ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ بِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَفِيمَا أَثَّرَتْ فِيهِ بِالْعَقْدِ كَالدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. (وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ) بِالنَّارِ (كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) يُمَيَّزَانِ بِالنَّارِ عَنْ الشَّمْعِ وَاللَّبَنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضِهِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ
(وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ) أَيْ عَقْدُ الْبَيْعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُصَفِّقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ (رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ) أَيْ جِنْسُ الرِّبَوِيِّ (مِنْهُمَا) جَمِيعِهِمَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ. (كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ) اخْتَلَفَ (النَّوْعُ) أَيْ نَوْعُ الرِّبَوِيِّ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ مَثَلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ بِصِفَتَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ. (كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ، وَقِيمَةُ الْمُكَسَّرَةِ دُونَ قِيمَةِ الصِّحَاحِ فِي الْجَمِيعِ. (فَبَاطِلَةٌ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَنْ يُوَزَّعَ مَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ مِثَالُهُ بَاعَ شِقْصًا مِنْ دَارٍ وَسَيْفًا بِأَلْفٍ، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الْأَلْفِ، وَالتَّوْزِيعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ، فَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ إنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَدِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمٍ فَمُدُّ الدِّرْهَمَيْنِ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا مُدٍّ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ يَبْقَى مِنْهُ ثُلُثُ مُدٍّ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ مِنْ ذَلِكَ الطَّرَفِ بِالسَّوِيَّةِ، فَتَتَحَقَّقُ الْمُفَاضَلَةُ فِي مُقَابَلَةِ ثُلُثِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَالْمُمَاثَلَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ، وَهُوَ تَخْمِينٌ قَدْ يُخْطِئُ، وَفِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ دِرْهَمًا فَالْمُمَاثَلَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ لِمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ كَدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ كَنِصْفِ دِرْهَمٍ تَحَقَّقَتْ الْمُفَاضَلَةُ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى مُقَابَلَةُ مُدٍّ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ أَوْ بِثُلُثَيْ مُدٍّ وَفِي الثَّانِيَةِ مُقَابَلَةُ دِرْهَمٍ بِثُلُثَيْ دِرْهَمٍ أَوْ بِدِرْهَمٍ وَثُلُثِ دِرْهَمٍ وَفِي بَيْعِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الصِّحَاحِ أَوْ الْمُكَسَّرَةِ بِهِمَا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ الْمُكَسَّرَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَحَقَّقَتْ الْمُفَاضَلَةُ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ كَمَا هِيَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْبَيْعِ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ مُكَسَّرَةٍ فَقَطْ لِمَا تَقَدَّمَ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قِيمَةَ الْمُكَسَّرَةِ دُونَ قِيمَةِ الصِّحَاحِ، فَلَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا فَلَا بُطْلَانَ، وَلَوْ فَصَلَ فِي الْعَقْدِ فَجُعِلَ الْمُدُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ أَوْ الدِّرْهَمُ وَالدِّرْهَمُ فِي مُقَابَلَةِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْمُدِّ صَحَّ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ أَحَدُ جَانِبَيْ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَبَيْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ بِصَاعَيْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَبَيْعِ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ بِرْنِيٍّ وَصَاعٍ مَعْقِلِيٍّ أَوْ بِصَاعَيْنِ بِرْنِيٍّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ جَازَ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ) كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالْبَقَرِ (وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَبَيْعِهِ بِالْحِمَارِ (فِي الْأَظْهَرِ)«لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ»، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ،«وَنَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا وَأَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ السَّاعِدِيِّ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ الْجَوَازُ، وَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَوُجِّهَ بِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا.